المواضيع الأخيرة
الغنائم والإخوة الثلاثة أو كيف ولماذا خان نصر الدين وعز الدين أخاهما بدر الدين؟
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الغنائم والإخوة الثلاثة أو كيف ولماذا خان نصر الدين وعز الدين أخاهما بدر الدين؟
رأي مواطن أخرس
لازال بدر الدين يسكن نفس البيت المتواضع الذي يئن من كثرة قاطنيه.. لا زال ينهض كل صباح مع أذان الفجر.. يصلي في نفس المسجد.. ومن المسجد يتوجه إلى نفس المقهى أين يأخذ له مكانا وراء ''الكونتوار''.. يشرب كأسا من الحليب البارد في انتظار أن تعصر له قهوة ثقيلة.. يشرب فنجان القهوة ويدخن ''ڤارو'' ريم !.. بخصوص التدخين يقول بدر الدين ضاحكا ''من الأفضل لي كخوانجي تدخين السجائر، من تمويل حملة انتخابية للرئاسيات بأموال مصدرها التجارة في الخمور! أو أن يصوروني في وضع فاضح في تونس أو تركيا أو بيروت! أو أمد يدي إلى أموال الشعب أو تقبض علي الشرطة مع عاهرة في إحدى الغابات وتجرجرني إلى المقر وتفتح لي محضرا كما حدث للكثيرين ممن يدعون أنهم خوانجية!
يشرب بدر الدين قهوته على مهل.. يدفع الحساب ثم يتوجه مباشرة إلى بائع الجرائد.. يقرأ عناوين الأخبار.. يختار جريدتين أو ثلاثا ثم يقصد نفس المحل الذي يعمل فيه.. إنه محل لبيع القماش بالجملة، وهو ملك لصديقه عز الدين والأصح لمن كان صديقه و''أخوه في الله'' بالأمس وأصبح اليوم ''معلمه''.
جلس في زاويته المعتادة وبدأ يقلب صفحات الجرائد.. في ذلك اليوم وذاك التاريخ.. أي يوم السبت 10 أكتوبر .2009 قرأ ثم أعاد قراءة مقال نذير مصمودي الذي اختار له عنوان ''تأملات في انقسامات الإسلاميين.. حركة مجتمع السلم.. نموذجا'' (*).. لم يحمل مقال نذير مصمودي أي جديد بالنسبة لبدر الدين، لكن الكلمات والوصف فتحا بداخله جرحا غائرا ومؤلما.. وتقييما لتجربة عمرها ثلاثون سنة.. ثلاثون سنة من النشاط والدعوة الإسلامية.. ثلاثون سنة من ''الجهاد'' في صفوف حركة الإخوان المسلمين في الجزائر.. وبجناحيها النهضوي والنحناحي.
في تلك الصبيحة تألم كثيرا بدر الدين وهو يقرأ كلام نذير مصمودي ''.. إن منطق الغنائم الذي أكد حضوره في أخطر حالات الانقسام التي مر بها المسلمون في تاريخهم كما قلنا، هو ذات المنطق الذي أكد نفسه في الحالة الإسلامية الجزائرية، بدءا بجبهة الإنقاذ، ومرورا بحركة النهضة وانتهاء مؤخرا بحركة مجتمع السلم ''.. وحرك رأسه أكثر من مرة دليلا على موافقة الكاتب في ما ذهب إليه''.. ولذلك لا ينبغي أن تردد أبدا في اعتبار ما حدث لحركة مجتمع السلم من انقسامات وصراعات، تعبيرا عن سلوك بشري، يمكن أن تختلط فيه النوازع البشرية المحضة أو تتفاقم فيه دواعي الاستجابة لمنطق الغنائم والمصالح الخاصة، أو الخضوع لنادي الهيمنة والتفرد والاستبداد''.
أشعل بدر الدين سيجارة ''ريم''.. نفث دخانها في الهواء المحمّل بندى الصباح.. وبدأ في استعادة تفاصيل الخيانة.. خيانة آمال مئات الآلاف.. بل الملايين من أمثاله الحالمين بإقامة الدولة الإسلامية.. واستعادة المجد الحضاري الذي كان.. لكن كل تلك الآمال والأحلام ضاعت بسبب.. التكالب على ''الغنائم''.
*****
يعتقد بدر الدين أن قصته وبدون أي مبالغات يمكن أن تلخص قصة ''الإخوان المسلمين'' في الجزائر بجناحيها.. جناح نحناح وجناح جاب الله.. وبالرغم من طول القصة إلا أنه يمكن تلخيصها كالآتي..
في البدء ومنذ ثلاثين سنة تقريبا.. كانوا ثلاثة ''إخوة في الله''.. الأول كان بدر الدين العامل بالمحل، وهو ذو مستوى تعليمي متوسط وثقافي مقبول ومن طبقة متوسطة.. الثاني كان عز الدين شابا متعلما وصاحب المحل وهو ابن إحدى العائلات البرجوازية الميسورة المحافظة.. أما الثالث فكان اسمه نصر الدين شاب جامعي مجتهد وطموح من طبقة متوسطة.. وبالرغم من كل الاختلافات بين الشبان الثلاثة.. سواء تعلق الأمر بالمستوى التعليمي أو الانتماء الطبقي وحتى الخلقي، إلا أن الثلاثة كانوا متفقين على مجموعة من ''الحقائق'' منها.. هذه الدولة ليست ''دولة إسلامية'' و''المجتمع ظل السبيل ويجب إعادة أسلمته'' والنظام ورجاله مجموعة من ''الطغاة'' الذين سرقوا حلم المجاهدين والثوار الذي يتمثل في إقامة ''دولة إسلامية''.. وكان لا بد من التحرك من أجل استرجاع الشعب وتربية المجتمع وهدايته والتخطيط لتغيير النظام ولِمَ لا الثورة عليه وإسقاطه.
كان الثلاثة من المؤمنين بأن ''الإسلام هو الحل''.. كما كانوا من المؤمنين أيضا بأن ''الفكر'' و''المنهج'' الإخواني هما الأداة والطريق نحو تحقيق الهدف واستعادة ما ضاع منذ سقوط الدولة العثمانية..
كان بدر الدين المناضل البسيط يمثل القاعدة.. واحد من ''الجماهير'' المؤمنة والمساندة للمشروع الإخواني.. ''لقد كنا بالنسبة للجماعة والحركة بمثابة الشعب للثوار أيام الثورة التحريرية.. كنا بمثابة الماء للأسماك''.. يتذكر بدر الدين كيف كان يطبع سرا كتب سيد قطب وحسن البنا وعمر التلمساني وزينب الغزالي وسعيد حوى وغيرهم ويقوم بتوزيعها على الإخوان، وكيف كان يقوم باستدراج أبناء المسؤولين في المتوسطات والثانويات، خاصة أولاد وبنات المسؤولين الكبار بمن فيهم العسكر من أجل هدايتهم وكسبهم إلى صفوف الجماعة والحركة.. وكيف كان يؤمّن الطريق لنصر الدين المراقب والملاحق من طرف المخابرات.. نصر الدين كان يمثل نخبة الجماعة.. كوادر الحركة.. وكان معظمهم من شباب الجامعات وكان غالبيتهم من الطبقة الوسطى.. كانت مسؤوليتهم ''محاربة'' النظام بطريقة أخرى.. ''شن حرب عقائدية على الإيديولوجيا الماركسية الشيوعية.. على المستوى الفكري وشن حرب أخرى من أجل الاستحواذ على أكبر رقعة ممكنة في الميدان عن طريق تنظيم إضرابات في الجامعة.. إنشاء تنظيمات موازية.. خلايا سرية.. خطب وحلقات في المساجد.. التغلغل داخل تنظيمات طلابية، نقابية ومهنية.. تنظيم تربصات ودورات رياضية وثقافية.. بل وصل الأمر إلى توجيه إطارات وكوادر من الحركة إلى أكاديمية شرشال العسكرية.. كان المطلوب، إذا كنا نريد فعلا تغيير الوضع، أن يكون لنا رجال في كل مكان مثل النظام تماما''.. طبعا كل هذه النشاطات والأعمال لا بد لها من المال.. وكان عز الدين وأمثاله من الطبقات الميسورة والبرجوازية المحافظة ''الكريمة''، هي التي تمول الحركة ورجالها وكوادرها بالأموال اللازمة كي لا تتوقف الآلة عن الدوران والتقدم.
في تلك السنوات كانت الحركة كغيرها من الحركات والجماعات المعارضة للنظام.. كانت ''سرية.. غريبة.. ومطاردة''.
*****
فماذا كانت النتيجة بعد أن خرج الإخوان المسلمون الجزائريين من ''جحيم السرية والمطاردات'' إلى الضوء.. والى العلن؟.. يجيب بدر الدين وهو ينفث دخان سيجارته في الهواء.. ''الخسارة !.. لقد خسرنا معركتين.. المعركة الأولى هي معركة تغيير النظام.. فالنظام الذي خططنا لتغييره لا زال واقفا قائما وقويا.. بل أكثر من ذلك لقد استطاع النظام أن يغير حتى أكبر الراديكاليين في الحركة، الذين كان حلمهم وهدفهم الأول، تغيير النظام! لقد استطاع تغييرهم وتركيعهم واستعبادهم بالملفات!.. في السبعينات كنا نهاجم نظام بومدين الاشتراكي الفاسد من خلال رجاله.. كنا نقدم بوتفليقة وبن شريف ومدغري وشريف بلقاسم وغيرهم كنموذج للمسؤول الفاسد.. في 1999 نحن الذين رجحنا كفة فوز بوتفليقة! ليس هذا فقط بل سنساهم في توطيد وتكريس حكمه لعهدتين إضافيتين من خلال التحالف الرئاسي! وإذا كنا بالأمس قد هاجمنا سياسة نظام رفيق دربه بومدين فإننا اليوم ندافع ونبرر سياسة أسوأ عشرات المرات من سياسة بومدين الستاليني وبن بلة التروتسكي والشاذلي البرجنيفي!.. أما المعركة الثانية التي خسرناها فهي.. معركة أخلقة وأسلمة المجتمع.. اليوم لا صوت يعلو فوق صوت الفساد والجريمة والفضيحة.. الدعارة والفسق والاختلاط في كل مكان.. وأمام طوفان المخدرات والمهلوسات أصبحنا نترحم على أيام الخمور!.. اليوم شعب كامل يمارس التهريب ويتعامل بالرشوة والربا! والسرقة أصبحت ''قفازة''.. الناس اليوم يكذبون أكثر مما يتنفسون!.. اليوم المجتمع ينظر إلينا نظرة كلها ريبة وشك بل وازدراء.. فإذا كانت الأفالان متهمة بالبزنسة بالثورة والشهداء.. والأرسيدي بالبزنسة في القضية الأمازيغية.. ولويزة وغيرها من جماعة اليسار قد بزنسوا بالاشتراكية.. فجماعتنا فعلوا ما هو أسوء.. لقد بزنسوا ويبزنسون بالإسلام !.. لقد خسرنا معركة أخلقة المجتمع.. لقد انشطر المجتمع إلى عدة أجزاء.. جزء سطحي تقليدي ( إشارة إلى التيار السلفي) يزداد انغلاقا على نفسه.. وجزء يزداد انحلالا وتفسخا وتغريبا.. وجزء لم يعد يؤمن بأي شيء.. وكفر بالجميع إسلاميون ووطنيون وديمقراطيون واشتراكيون وليبيراليون.. ومستعد أن يبيع نفسه للشيطان ليحل له مشاكله الأبدية.. السكن، العمل، النقل، الصحة، العنوسة والعزوبية.. ويبيع له ما تبقى من روحه لينتقم له من كل الذين خانوه بالأمس واليوم''!
*****
لماذا خسر ''الإخوان'' المعركة ولماذا ضلوا الطريق؟
''خسرنا المعركة بسبب خيانة كوادر وإطارات الحركة والجماعة من أصحاب الشهادات و''المتعلمين''.. من دكاترة ومهندسين وأساتذة و''مدعي العلم''.. من أمثال نصر الدين وبسبب أصحاب الأموال والثروات من أمثال عز الدين، فبمجرد أن فتح النظام ''قناة'' ضيقة نحو الغنائم والمغانم والامتيازات.. فما أن خصص النظام ''كوطة'' من المناصب لأعداء ومشاغبي الأمس، حتى ظهرت النفوس على حقيقتها.. فرئيس الجماعة أو الحركة لم يعد يفكر إلا في ''الرئاسة'' والأتباع المقربين من أصحاب الشهادات أصبحوا وزراء ونوابا وسفراء وقناصل ومستشارين والأقل شأنا اقتنعوا مؤقتا برئاسة بلدية أو إدارة مديرية في انتظار أيام أحسن!.. ولأن المناصب كانت محدودة، فقد اندلعت بين ''الإخوة في الله'' حرب ''قذرة''، استعملت فيها كل الأسلحة.. كالعروشية والجهوية والإقصاء والتهميش والوشاية والرشوة والمحسوبية وحتى التهديد والترهيب ''وكل الأدوات والأساليب المنحطة'' التي يستعملها النظام.. حربا من أجل السكن المضمون والمرتب المحترم جدا والسفريات والدوفيز السيارة والسائق والحرس الشخصي وجواز السفر الدبلوماسي والحصانة البرلمانية والقروض بدون فوائد والزوجة الثانية والثالثة بعقود صحيحة وعرفية! أما أصحاب الأموال من أمثال عز الدين الذين كانوا يموّلون الحركة والجماعة سرا، فالحانوت أصبح حوانيت والفبريكة أصبحت مصنعا بعد أن شق له طريقا إلى حنفية التجارة الخارجية التي يحتكرها أباطرة النظام فظفر بصفقات وتوكيلات ومشاريع استثمارية ووضع له قدما في الميناء ويدا في أحد البنوك.. وسارت الأمور أبعد من ذلك، فنصر الدين وأمثاله من إطارات وحملة الشهادات، تزوج من أخت عز الدين.. وعز الدين ''المركانتي'' تزوج، هو وأمثاله، من بنت أحد أباطرة النظام.. لقد ''دس'' ثروته في ثروة ''حماه'' حتى يضمن لها الحماية والنماء!.. هكذا وقعت الخيانة وتمت التحالفات والتقت المصالح واختلطت الثروات والأنساب والدماء!
أما بدر الدين وأمثاله من مناضلي القاعدة.. الحالمين بعدل وصرامة عمر وطيبة أبوبكر وحكمة علي وكرم عثمان.. فلا زال (هو وأمثاله) في القاع..لا سكن، لا عمل، لا زوجة لا أولاد..لا مستقبل''.
المصدر:
http://elkhabar-hebdo.com/site/articles-action-show-id-263.htm
لازال بدر الدين يسكن نفس البيت المتواضع الذي يئن من كثرة قاطنيه.. لا زال ينهض كل صباح مع أذان الفجر.. يصلي في نفس المسجد.. ومن المسجد يتوجه إلى نفس المقهى أين يأخذ له مكانا وراء ''الكونتوار''.. يشرب كأسا من الحليب البارد في انتظار أن تعصر له قهوة ثقيلة.. يشرب فنجان القهوة ويدخن ''ڤارو'' ريم !.. بخصوص التدخين يقول بدر الدين ضاحكا ''من الأفضل لي كخوانجي تدخين السجائر، من تمويل حملة انتخابية للرئاسيات بأموال مصدرها التجارة في الخمور! أو أن يصوروني في وضع فاضح في تونس أو تركيا أو بيروت! أو أمد يدي إلى أموال الشعب أو تقبض علي الشرطة مع عاهرة في إحدى الغابات وتجرجرني إلى المقر وتفتح لي محضرا كما حدث للكثيرين ممن يدعون أنهم خوانجية!
يشرب بدر الدين قهوته على مهل.. يدفع الحساب ثم يتوجه مباشرة إلى بائع الجرائد.. يقرأ عناوين الأخبار.. يختار جريدتين أو ثلاثا ثم يقصد نفس المحل الذي يعمل فيه.. إنه محل لبيع القماش بالجملة، وهو ملك لصديقه عز الدين والأصح لمن كان صديقه و''أخوه في الله'' بالأمس وأصبح اليوم ''معلمه''.
جلس في زاويته المعتادة وبدأ يقلب صفحات الجرائد.. في ذلك اليوم وذاك التاريخ.. أي يوم السبت 10 أكتوبر .2009 قرأ ثم أعاد قراءة مقال نذير مصمودي الذي اختار له عنوان ''تأملات في انقسامات الإسلاميين.. حركة مجتمع السلم.. نموذجا'' (*).. لم يحمل مقال نذير مصمودي أي جديد بالنسبة لبدر الدين، لكن الكلمات والوصف فتحا بداخله جرحا غائرا ومؤلما.. وتقييما لتجربة عمرها ثلاثون سنة.. ثلاثون سنة من النشاط والدعوة الإسلامية.. ثلاثون سنة من ''الجهاد'' في صفوف حركة الإخوان المسلمين في الجزائر.. وبجناحيها النهضوي والنحناحي.
في تلك الصبيحة تألم كثيرا بدر الدين وهو يقرأ كلام نذير مصمودي ''.. إن منطق الغنائم الذي أكد حضوره في أخطر حالات الانقسام التي مر بها المسلمون في تاريخهم كما قلنا، هو ذات المنطق الذي أكد نفسه في الحالة الإسلامية الجزائرية، بدءا بجبهة الإنقاذ، ومرورا بحركة النهضة وانتهاء مؤخرا بحركة مجتمع السلم ''.. وحرك رأسه أكثر من مرة دليلا على موافقة الكاتب في ما ذهب إليه''.. ولذلك لا ينبغي أن تردد أبدا في اعتبار ما حدث لحركة مجتمع السلم من انقسامات وصراعات، تعبيرا عن سلوك بشري، يمكن أن تختلط فيه النوازع البشرية المحضة أو تتفاقم فيه دواعي الاستجابة لمنطق الغنائم والمصالح الخاصة، أو الخضوع لنادي الهيمنة والتفرد والاستبداد''.
أشعل بدر الدين سيجارة ''ريم''.. نفث دخانها في الهواء المحمّل بندى الصباح.. وبدأ في استعادة تفاصيل الخيانة.. خيانة آمال مئات الآلاف.. بل الملايين من أمثاله الحالمين بإقامة الدولة الإسلامية.. واستعادة المجد الحضاري الذي كان.. لكن كل تلك الآمال والأحلام ضاعت بسبب.. التكالب على ''الغنائم''.
*****
يعتقد بدر الدين أن قصته وبدون أي مبالغات يمكن أن تلخص قصة ''الإخوان المسلمين'' في الجزائر بجناحيها.. جناح نحناح وجناح جاب الله.. وبالرغم من طول القصة إلا أنه يمكن تلخيصها كالآتي..
في البدء ومنذ ثلاثين سنة تقريبا.. كانوا ثلاثة ''إخوة في الله''.. الأول كان بدر الدين العامل بالمحل، وهو ذو مستوى تعليمي متوسط وثقافي مقبول ومن طبقة متوسطة.. الثاني كان عز الدين شابا متعلما وصاحب المحل وهو ابن إحدى العائلات البرجوازية الميسورة المحافظة.. أما الثالث فكان اسمه نصر الدين شاب جامعي مجتهد وطموح من طبقة متوسطة.. وبالرغم من كل الاختلافات بين الشبان الثلاثة.. سواء تعلق الأمر بالمستوى التعليمي أو الانتماء الطبقي وحتى الخلقي، إلا أن الثلاثة كانوا متفقين على مجموعة من ''الحقائق'' منها.. هذه الدولة ليست ''دولة إسلامية'' و''المجتمع ظل السبيل ويجب إعادة أسلمته'' والنظام ورجاله مجموعة من ''الطغاة'' الذين سرقوا حلم المجاهدين والثوار الذي يتمثل في إقامة ''دولة إسلامية''.. وكان لا بد من التحرك من أجل استرجاع الشعب وتربية المجتمع وهدايته والتخطيط لتغيير النظام ولِمَ لا الثورة عليه وإسقاطه.
كان الثلاثة من المؤمنين بأن ''الإسلام هو الحل''.. كما كانوا من المؤمنين أيضا بأن ''الفكر'' و''المنهج'' الإخواني هما الأداة والطريق نحو تحقيق الهدف واستعادة ما ضاع منذ سقوط الدولة العثمانية..
كان بدر الدين المناضل البسيط يمثل القاعدة.. واحد من ''الجماهير'' المؤمنة والمساندة للمشروع الإخواني.. ''لقد كنا بالنسبة للجماعة والحركة بمثابة الشعب للثوار أيام الثورة التحريرية.. كنا بمثابة الماء للأسماك''.. يتذكر بدر الدين كيف كان يطبع سرا كتب سيد قطب وحسن البنا وعمر التلمساني وزينب الغزالي وسعيد حوى وغيرهم ويقوم بتوزيعها على الإخوان، وكيف كان يقوم باستدراج أبناء المسؤولين في المتوسطات والثانويات، خاصة أولاد وبنات المسؤولين الكبار بمن فيهم العسكر من أجل هدايتهم وكسبهم إلى صفوف الجماعة والحركة.. وكيف كان يؤمّن الطريق لنصر الدين المراقب والملاحق من طرف المخابرات.. نصر الدين كان يمثل نخبة الجماعة.. كوادر الحركة.. وكان معظمهم من شباب الجامعات وكان غالبيتهم من الطبقة الوسطى.. كانت مسؤوليتهم ''محاربة'' النظام بطريقة أخرى.. ''شن حرب عقائدية على الإيديولوجيا الماركسية الشيوعية.. على المستوى الفكري وشن حرب أخرى من أجل الاستحواذ على أكبر رقعة ممكنة في الميدان عن طريق تنظيم إضرابات في الجامعة.. إنشاء تنظيمات موازية.. خلايا سرية.. خطب وحلقات في المساجد.. التغلغل داخل تنظيمات طلابية، نقابية ومهنية.. تنظيم تربصات ودورات رياضية وثقافية.. بل وصل الأمر إلى توجيه إطارات وكوادر من الحركة إلى أكاديمية شرشال العسكرية.. كان المطلوب، إذا كنا نريد فعلا تغيير الوضع، أن يكون لنا رجال في كل مكان مثل النظام تماما''.. طبعا كل هذه النشاطات والأعمال لا بد لها من المال.. وكان عز الدين وأمثاله من الطبقات الميسورة والبرجوازية المحافظة ''الكريمة''، هي التي تمول الحركة ورجالها وكوادرها بالأموال اللازمة كي لا تتوقف الآلة عن الدوران والتقدم.
في تلك السنوات كانت الحركة كغيرها من الحركات والجماعات المعارضة للنظام.. كانت ''سرية.. غريبة.. ومطاردة''.
*****
فماذا كانت النتيجة بعد أن خرج الإخوان المسلمون الجزائريين من ''جحيم السرية والمطاردات'' إلى الضوء.. والى العلن؟.. يجيب بدر الدين وهو ينفث دخان سيجارته في الهواء.. ''الخسارة !.. لقد خسرنا معركتين.. المعركة الأولى هي معركة تغيير النظام.. فالنظام الذي خططنا لتغييره لا زال واقفا قائما وقويا.. بل أكثر من ذلك لقد استطاع النظام أن يغير حتى أكبر الراديكاليين في الحركة، الذين كان حلمهم وهدفهم الأول، تغيير النظام! لقد استطاع تغييرهم وتركيعهم واستعبادهم بالملفات!.. في السبعينات كنا نهاجم نظام بومدين الاشتراكي الفاسد من خلال رجاله.. كنا نقدم بوتفليقة وبن شريف ومدغري وشريف بلقاسم وغيرهم كنموذج للمسؤول الفاسد.. في 1999 نحن الذين رجحنا كفة فوز بوتفليقة! ليس هذا فقط بل سنساهم في توطيد وتكريس حكمه لعهدتين إضافيتين من خلال التحالف الرئاسي! وإذا كنا بالأمس قد هاجمنا سياسة نظام رفيق دربه بومدين فإننا اليوم ندافع ونبرر سياسة أسوأ عشرات المرات من سياسة بومدين الستاليني وبن بلة التروتسكي والشاذلي البرجنيفي!.. أما المعركة الثانية التي خسرناها فهي.. معركة أخلقة وأسلمة المجتمع.. اليوم لا صوت يعلو فوق صوت الفساد والجريمة والفضيحة.. الدعارة والفسق والاختلاط في كل مكان.. وأمام طوفان المخدرات والمهلوسات أصبحنا نترحم على أيام الخمور!.. اليوم شعب كامل يمارس التهريب ويتعامل بالرشوة والربا! والسرقة أصبحت ''قفازة''.. الناس اليوم يكذبون أكثر مما يتنفسون!.. اليوم المجتمع ينظر إلينا نظرة كلها ريبة وشك بل وازدراء.. فإذا كانت الأفالان متهمة بالبزنسة بالثورة والشهداء.. والأرسيدي بالبزنسة في القضية الأمازيغية.. ولويزة وغيرها من جماعة اليسار قد بزنسوا بالاشتراكية.. فجماعتنا فعلوا ما هو أسوء.. لقد بزنسوا ويبزنسون بالإسلام !.. لقد خسرنا معركة أخلقة المجتمع.. لقد انشطر المجتمع إلى عدة أجزاء.. جزء سطحي تقليدي ( إشارة إلى التيار السلفي) يزداد انغلاقا على نفسه.. وجزء يزداد انحلالا وتفسخا وتغريبا.. وجزء لم يعد يؤمن بأي شيء.. وكفر بالجميع إسلاميون ووطنيون وديمقراطيون واشتراكيون وليبيراليون.. ومستعد أن يبيع نفسه للشيطان ليحل له مشاكله الأبدية.. السكن، العمل، النقل، الصحة، العنوسة والعزوبية.. ويبيع له ما تبقى من روحه لينتقم له من كل الذين خانوه بالأمس واليوم''!
*****
لماذا خسر ''الإخوان'' المعركة ولماذا ضلوا الطريق؟
''خسرنا المعركة بسبب خيانة كوادر وإطارات الحركة والجماعة من أصحاب الشهادات و''المتعلمين''.. من دكاترة ومهندسين وأساتذة و''مدعي العلم''.. من أمثال نصر الدين وبسبب أصحاب الأموال والثروات من أمثال عز الدين، فبمجرد أن فتح النظام ''قناة'' ضيقة نحو الغنائم والمغانم والامتيازات.. فما أن خصص النظام ''كوطة'' من المناصب لأعداء ومشاغبي الأمس، حتى ظهرت النفوس على حقيقتها.. فرئيس الجماعة أو الحركة لم يعد يفكر إلا في ''الرئاسة'' والأتباع المقربين من أصحاب الشهادات أصبحوا وزراء ونوابا وسفراء وقناصل ومستشارين والأقل شأنا اقتنعوا مؤقتا برئاسة بلدية أو إدارة مديرية في انتظار أيام أحسن!.. ولأن المناصب كانت محدودة، فقد اندلعت بين ''الإخوة في الله'' حرب ''قذرة''، استعملت فيها كل الأسلحة.. كالعروشية والجهوية والإقصاء والتهميش والوشاية والرشوة والمحسوبية وحتى التهديد والترهيب ''وكل الأدوات والأساليب المنحطة'' التي يستعملها النظام.. حربا من أجل السكن المضمون والمرتب المحترم جدا والسفريات والدوفيز السيارة والسائق والحرس الشخصي وجواز السفر الدبلوماسي والحصانة البرلمانية والقروض بدون فوائد والزوجة الثانية والثالثة بعقود صحيحة وعرفية! أما أصحاب الأموال من أمثال عز الدين الذين كانوا يموّلون الحركة والجماعة سرا، فالحانوت أصبح حوانيت والفبريكة أصبحت مصنعا بعد أن شق له طريقا إلى حنفية التجارة الخارجية التي يحتكرها أباطرة النظام فظفر بصفقات وتوكيلات ومشاريع استثمارية ووضع له قدما في الميناء ويدا في أحد البنوك.. وسارت الأمور أبعد من ذلك، فنصر الدين وأمثاله من إطارات وحملة الشهادات، تزوج من أخت عز الدين.. وعز الدين ''المركانتي'' تزوج، هو وأمثاله، من بنت أحد أباطرة النظام.. لقد ''دس'' ثروته في ثروة ''حماه'' حتى يضمن لها الحماية والنماء!.. هكذا وقعت الخيانة وتمت التحالفات والتقت المصالح واختلطت الثروات والأنساب والدماء!
أما بدر الدين وأمثاله من مناضلي القاعدة.. الحالمين بعدل وصرامة عمر وطيبة أبوبكر وحكمة علي وكرم عثمان.. فلا زال (هو وأمثاله) في القاع..لا سكن، لا عمل، لا زوجة لا أولاد..لا مستقبل''.
المصدر:
http://elkhabar-hebdo.com/site/articles-action-show-id-263.htm
طالب الحق- عدد المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
رد: الغنائم والإخوة الثلاثة أو كيف ولماذا خان نصر الدين وعز الدين أخاهما بدر الدين؟
شكرا لك أخي طالب الحق على نقل هذا المقال الممتع بأسلوبه المر بحقيقته.
مشكلة السلطة أنها فتنة وشهوة، شأنها شأن المال فما كل من صار غنيا رعى حق الله في المال، ولا كل من صار حاكما -في أي مستوى- رعى حق الله والعباد في الحكم.
فتنة السلطة تسلب الألباب، خصوصا عندما تكون مسبوقة بحملة عاطفية لا تستهدف بناء التصور الإسلامي الصحيح الذي يجعل المسلم محكوما بأمر الله سواء وصل إلى السلطة أو لم يصل.
فانفلات كثير من الإسلاميين من عقال التكاليف الشرعية تفسيره أمران:
1- الواقع الشهواني الضاغط وعدم وجود تصور إيماني يواجه تلك الدعوات المغرية التي برمج لها بعد إفشال وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد نجاحهم في الانتخابات.
2- الأزمة الاجتماعية الخانقة التي جعلت الإسلاميين في وضع لا يحسدون عليه، فقد شتتت صفوفهم وتفرقوا ما بين مسجون ومشرد في الصحراء وفي الأخير جاء ذلك القانون المسمى بالمصالحة محاولا التخفيف عليهم ولكن لا يبلغ مبلغا ذا بال.
ونستفيد من هذه التجربة ونتأكد مرة أخرى أن التغيير الاجتماعي والسياسي لا يمكن أن يعادل الوصول إلى السلطة أو السيطرة على مؤسسات الدولة التشريعة والتنفيذية، وهذا أمر لا يمكن أن تسمح به السلطات في العالم خصوصا في المناطق القريبة من إسرائيل حاليا- بل التغيير لابد وأن ينطلق من إصلاح المجتمع والعودة به إلى الجادة، حتى يكون الطابع العام له الاستقامة وتمثيل صورة الإسلام في أنصع صوره، وما لم يكن المسلم يقرن تصوره الإيمان بالعمل فإن الشريعة بأوامرها ونواهيها لا يمكن أن تتجاوز دائرة الإباحة في مقتضى ذلك التصور فهي بين منصوص عليه مندوب ومنصوص عليه مكروه وغير منصوص عليه، وأعني أن الرادع الأخروي الذي يحاسب المسلم على الطاعة والمعصية عندما يزول فإن الشريعة برمتها يكون مقتضاها الإباحة.
مشكلة السلطة أنها فتنة وشهوة، شأنها شأن المال فما كل من صار غنيا رعى حق الله في المال، ولا كل من صار حاكما -في أي مستوى- رعى حق الله والعباد في الحكم.
فتنة السلطة تسلب الألباب، خصوصا عندما تكون مسبوقة بحملة عاطفية لا تستهدف بناء التصور الإسلامي الصحيح الذي يجعل المسلم محكوما بأمر الله سواء وصل إلى السلطة أو لم يصل.
فانفلات كثير من الإسلاميين من عقال التكاليف الشرعية تفسيره أمران:
1- الواقع الشهواني الضاغط وعدم وجود تصور إيماني يواجه تلك الدعوات المغرية التي برمج لها بعد إفشال وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد نجاحهم في الانتخابات.
2- الأزمة الاجتماعية الخانقة التي جعلت الإسلاميين في وضع لا يحسدون عليه، فقد شتتت صفوفهم وتفرقوا ما بين مسجون ومشرد في الصحراء وفي الأخير جاء ذلك القانون المسمى بالمصالحة محاولا التخفيف عليهم ولكن لا يبلغ مبلغا ذا بال.
ونستفيد من هذه التجربة ونتأكد مرة أخرى أن التغيير الاجتماعي والسياسي لا يمكن أن يعادل الوصول إلى السلطة أو السيطرة على مؤسسات الدولة التشريعة والتنفيذية، وهذا أمر لا يمكن أن تسمح به السلطات في العالم خصوصا في المناطق القريبة من إسرائيل حاليا- بل التغيير لابد وأن ينطلق من إصلاح المجتمع والعودة به إلى الجادة، حتى يكون الطابع العام له الاستقامة وتمثيل صورة الإسلام في أنصع صوره، وما لم يكن المسلم يقرن تصوره الإيمان بالعمل فإن الشريعة بأوامرها ونواهيها لا يمكن أن تتجاوز دائرة الإباحة في مقتضى ذلك التصور فهي بين منصوص عليه مندوب ومنصوص عليه مكروه وغير منصوص عليه، وأعني أن الرادع الأخروي الذي يحاسب المسلم على الطاعة والمعصية عندما يزول فإن الشريعة برمتها يكون مقتضاها الإباحة.
صالح- مشرف
- عدد المساهمات : 59
تاريخ التسجيل : 30/08/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد ديسمبر 06, 2009 12:36 am من طرف ياسر
» قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ...
الجمعة ديسمبر 04, 2009 8:42 am من طرف أبونصر
» صور إخواننا في الصين في عيد الأضحى
الخميس ديسمبر 03, 2009 7:58 am من طرف يحي بن عيسى
» الإمام غالب الهنائي في ذمة الله
الثلاثاء ديسمبر 01, 2009 2:54 am من طرف يحي بن عيسى
» حول الدعوة إلى الله عز وجل
الإثنين نوفمبر 30, 2009 8:50 am من طرف أبو محسن
» مصطفى محمود: المرأة كتاب.. اقرأه بعقلك ولا تنظر لغلافه
الأحد نوفمبر 29, 2009 3:06 pm من طرف يحيى الاطرش
» عيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير
الأحد نوفمبر 29, 2009 1:00 am من طرف خالد آل عبدالله
» مــــــــبـــــــــــاراة بريـــــــــــــــــــــئــــــــــــة
الجمعة نوفمبر 27, 2009 11:28 am من طرف أبو محسن
» هل نحن بحاجة إلى مراجعة فكرية لمنظومتنا التراثية؟
الأربعاء نوفمبر 25, 2009 12:44 pm من طرف يحيى الاطرش